شخصيات وصناع القرار
أخر الأخبار

انضمام سلطنة عُمان إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: خطوة تاريخية لترسيخ العدالة وحرية التعبير

اقرأ في هذا المقال
  • يُعدُّ صدور المرسوم السلطاني السامي رقم (89 / 2025) بالموافقة على انضمام سلطنة عُمان إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، محطةً فارقة في المسيرة الحقوقية والتشريعية العُمانية، وخطوةً جديدة تؤكد عمق الرؤية الإنسانية والسياسية التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – نحو بناء دولة حديثة تُوازن بين الأصالة والتجديد، وبين الانفتاح العالمي وصون الهوية الوطنية. إن هذا الانضمام لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة مسارٍ متكاملٍ من الإصلاحات والتحديثات القانونية التي شهدتها السلطنة في السنوات الأخيرة، والتي تعكس التزامها الجاد بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبخاصة تلك التي تكفل حرية التعبير والرأي والعدالة والمساواة أمام القانون. ومن هنا، فإن توقيع سلطنة عُمان على هذا العهد لا يُعد فقط التزاماً دولياً، بل تأكيداً على إيمانها العميق بأن الإنسان هو محور التنمية وغايتها العليا. جمعية الصحفيين العُمانية ثمَّنت هذه الخطوة بكل فخر واعتزاز، معتبرةً أنها تمثل تتويجاً لرؤية وطنية متكاملة تُعزّز مكانة الإعلام في الدولة وتمنح الصحافة الوطنية مزيداً من الثقة والمسؤولية في أداء رسالتها. فحرية التعبير ليست مجرد شعار، بل هي ممارسة مسؤولة تقوم على الصدق والمهنية واحترام القيم المجتمعية، وهي في جوهرها ركيزة من ركائز العدالة ووسيلة فاعلة لمراقبة الأداء العام وصون المصلحة الوطنية. إن انضمام السلطنة إلى العهد الدولي يعزّز من موقعها في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، ويمنح التجربة العُمانية بُعداً أكثر رسوخاً في الحوار العالمي حول القيم الإنسانية المشتركة. كما يُسهم في فتح آفاق جديدة للتعاون مع المنظمات الحقوقية والإعلامية الدولية، ويُعزّز من سمعة عُمان كدولة تتبنى الحوار، وتؤمن بالتنوع الفكري، وتحتضن قيم التسامح والكرامة الإنسانية. تأتي هذه الخطوة متّسقة مع مستهدفات رؤية عُمان 2040، التي جعلت من سيادة القانون والمشاركة المجتمعية والشفافية ركائز أساسية لبناء الدولة العصرية. فهي تمثل تجسيداً عملياً لمبدأ "الإنسان أولاً"، وتعكس تطوراً حقيقياً في البيئة التشريعية التي تحمي الحقوق وتضمن الحريات وتوازن بين المسؤولية والحرية. لقد أكدت جمعية الصحفيين العُمانية في بيانها أن هذا التطور يُعد حافزاً إضافياً للمؤسسات الإعلامية والصحفية كي تواصل أداء رسالتها الوطنية بثقةٍ ومسؤولية، وتستثمر هذا المناخ القانوني والحقوقي المتطور في إنتاج إعلامٍ وطنيٍّ حرٍّ وملتزمٍ بالمصداقية. فالإعلام الحر ليس خصماً من الاستقرار، بل هو ركيزة لتعزيزه، لأنه يُسهم في بناء الوعي الجمعي وتنوير المجتمع ومكافحة الشائعات وترسيخ روح المواطنة. إن السلطنة اليوم تدخل مرحلة جديدة من تاريخها الحديث، تُكرّس فيها مفاهيم العدالة والكرامة الإنسانية وحرية التعبير كقواعد أصيلة في البناء الوطني. ومن شأن هذا الانضمام أن يعزز الثقة الدولية في التجربة العُمانية وأن يرسّخ صورتها كأنموذجٍ للتوازن بين الخصوصية الثقافية والالتزام العالمي بحقوق الإنسان. ولعلّ الأهم في هذه الخطوة، أنها تؤكد أن مسيرة الإصلاح في عُمان ليست ردة فعل، بل نابعة من رؤية استراتيجية تؤمن بأن العدالة والحرية وجهان لعملة واحدة اسمها “النهضة المستدامة”. فبقدر ما يُعبّر هذا المرسوم عن انفتاح السلطنة على العالم، فإنه يؤكد في الوقت ذاته على استقلال قرارها الوطني وسيادتها في رسم مساراتها التشريعية والإنسانية. إنها لحظة تاريخية تستحق التوقف عندها طويلاً؛ لأنها تُعيد التأكيد على أن الإنسان في عُمان ليس مجرد رقم في معادلة التنمية، بل هو أساسها ومحورها. ومن هنا، فإن جمعية الصحفيين العُمانية – ومعها كل مؤسسات المجتمع المدني – مدعوة اليوم إلى مضاعفة الجهد لتعزيز ثقافة الحقوق والمسؤوليات، وتكريس إعلامٍ وطنيٍّ يُعبّر عن روح النهضة ويواكب تطلعات الجيل الجديد في فضاء عالمي متغير. إن انضمام سلطنة عُمان إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ليس فقط إنجازاً دبلوماسياً وتشريعياً، بل هو إعلانٌ واضحٌ بأن الحرية المسؤولة والعدالة الاجتماعية هما عنوان المرحلة القادمة في مسيرة الدولة العُمانية الحديثة.
بواسطة
محمد منذر ورد
المصدر
مجلة المشرق العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Need Help?